[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]
شخصيات وسير

محطات من نضال الأحرار اليمنيين: أحمد بن يزيد القشيبي - الشرارة الأولى

محطات من نضال الأحرار اليمنيين ضد الإمامة في اليمن: أحمد بن يزيد القشيبي قادح الشرارة الأولى د. ثابت الأحمدي


إنّ نضالَ اليمنيين تجاه الإمامة ارتبط بمجيء الإمامةِ إلى اليمنِ من أول يومٍ لها، من قبل ورود يحيى حسين الرسي بما يزيد عن ثمانين عاما.

كان إبراهيم بن موسى العلوي، الملقب بالجزار قد زار اليمنَ داعية بالإمامة لابن طباطبا الذي خرج على الخليفة المأمون عقب وفاة هارون الرشيد، وخلال قدومه إلى اليمن بدأت أعماله الوحشية ضد اليمنيين، مستغلا مكانة أخيه علي الرضا عند المأمون الذي قربه، وعيّنه وليًا للعهد،
كما قرب العلويين بشكل عام من أجل مهادنتهم ومصالحتهم وتأمينًا لشرورهم، فأعمل الجزّارُ حدَّ سيفه بين اليمنيين، متحالفًا مع بقايا "الأبناء" من الفرس، حتى انبرى له أحمد بن يزيد القشيبي، وأحمد بن يزيد بن عبدالرحمن القشيبي الثاني، هو غير أحمد بن يزيد بن عمرو بن ثابت العوسجي، القشيبي الكبير، أو الأول، وهو فارس وشاعر، وحليف للزعيم اليماني محمد بن أبان.

وهو أيضا شاعرٌ وفارسٌ وقَيلٌ من أقيال عصره، كان معتدًّا بيمنيته، مُفاخرًا بقحطانيته، انتفض وجماعتُه ضد طغيان إبراهيم الجزار، الذي عاد إلى أدراجه من حيث أتى، بعد معركة فاصلة في منطقة "جدر" خارج صنعاء، سنة 2001ه، في جيشٍ أغلبه من بني عقيل، من خولان في صعدة، بقيادة والي المأمون على اليمن حمدويه بن علي بن عيسى، والذي عزله المأمون،

وعين بدلا عنه عيسى بن يزيد الجلودي، وأمره أن يرسل حمدويه مخفورًا إلى بغداد. انظر: اليمن في التاريخ الإسلامي الباكر، د. عبدالمحسن المدعج، ترجمة: د. قاسم عبده قاسم، عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، ط:1، 2009م، 245.

"وكان أحمد بن يزيد هو الذي ألّب أهلَ اليمنِ على إبراهيم بن موسى العلوي، أولِ داعية للإمامةِ في اليمن، وقلب عليه البلد، وقام كثيرٌ من اليمانية مع عبدالله بن محمد بن ماهان سنة 201ه، ثائرين عليه حتى خرج ابن موسى طريدًا". انظر: قصة الأدب في اليمن، أحمد محمد الشامي، ط:1، 2007، مكتبة الإرشاد، صنعاء، 202.

وقد استطاع الإفلات من أسر الجزار، ضمن مئة وخمسين شخصية من خنفر وأكيل وشهاب، وهم قومه، أعدمهم الجزار جميعًا في عملية غادرة، وكانوا من نخبة اليمن ورجالاتها، بعد أن تحالف مع قبيلة سعد في صعدة، مواليا الخليفة العباسي المأمون ضد العلويين الذين انقلبوا عليه.

وفي هذا يقول الهمداني في الإكليل في سياق الحديث عن الجزار: "فوثب به أحمد بن يزيد، وكان لسانًا، فألّب عليه أهل اليمن، وقلبَ عليه البلد، وقام هو وكثير من اليمانية مع عبدالله بن محمد الأحوال ابن ماهان، في سنة إحدى ومئتين، فخرج إبراهيم بن موسى طريدًا..".
انظر: الإكليل، أبو محمد الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني، تحقيق: محمد بن علي الأكوع الحوالي، مطابع السنة المحمدية، القاهرة، 1966م، 132/2. وانظر أيضا: الأدب والثقافة في اليمن عبر العصور، محمد سعيد جرادة، دار الفارابي، بيروت، ط:1، 1977م، 87.

ورثى القشيبيُّ هؤلاء القتلى بقصيدة، منها:

فيا أسفًا من بعد صيد غطارف
جسام المعالي ليس زندهم يكبو

بكل جيادٍ تستفاض جيادهم
من الماء قرنا بعد قرن له سكب

ويقول فيهم أيضا في قصيدة أخرى :

مصابيح أرضٍ أُطفئوا ثم غُيبوا
سلالة أقوال مغاوير في الردع

بقية ميمون بن حجر بن زرعة
فيا نبعة خضراء سامقة الفرع

بهم كان يُستسقى الغمام وتُتقى
بهم عثرات الدهر في السهل والتلع

وثمة تفاصيل أخرى في هذه الواقعة التاريخية، وغيرها من الوقائع، فصلتها كتب التاريخ، سواء ما كان منها في العهد الأموي، أم ما كان في العهد العباسي. ولعل أبرزها هي الهبة السياسية التي قادها أحمد محمد العُمري "أحمر العين" وهو من نسلِ عمر بن الخطاب ضدَّ سياسةِ المأمون التي كانت قد قربت العلويين، والذين بدورهم تحالفوا أيضا مع الفرس، سواء في بغداد أم في اليمن. والحقيقة أن القرن الثالث الهجري هو بداية التأسيس لقرن الدويلات في اليمن التي تتابعت لفترة طويلة من الزمن. انظر: اليمن في التاريخ الإسلامي الباكر، سابق، 252.

وتجدر الإشارة هنا إلى أخي إبراهيم بن موسى الجزار، وهو زيد بن موسى، الملقب بالنار، وكلاهما من أبناء جعفر الصادق، خرج زيد على المأمون في البصرة، فأحرق دورها وبيوتها وأهلها، وقتل منها الكثير، فسمي بزيد النار، لكثرة ما أشعل من النيران التي دمرت منازل ومتاجر أهل البصرة آنذاك.
وهذا في الوقت الذي جاء فيه إبراهيم إلى اليمن، وقتل من جنود بني العباس ومن اليمنيين خمسة عشر ألفا. وهكذا نرى وحشية وإرهاب هذه الجماعة التي تنتسب لآل البيت، ثم تمارس أبشع الجرائم الإنسانية عبر التاريخ.

عناوين ذات صلة:

زر الذهاب إلى الأعلى