[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]
آراء

حكاية الكساء

مروان الغفوري يكتب عن: حكاية الكساء


الحقيقة أني تجاهلت لزمن طويل حديث الكساء ولم أفكر حتى بالسؤال عمّا يقول. كنت أقرأ الكلمة أيام المنتديات، حديث الكساء، وكان السنة والشيعة وبنو هاشم، كما المحايدون، يتفقون على صحة السردية ويختلفون في مدلولاتها.

إذا كنت قرأت الحديث أو سمعته، أو كنت لم تقرأه ولم تسمع به، فإليك ما يقوله الحديث:

يُدخل النبي تحت لحافه (بطانية أو ماشابهها) فاطمة وحسن وحسين وعلي، ثم يقول: اللهم هؤلاء أهل بيتي، فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.

روايات أخرى تقول إنه قرأ "إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا".

تعالوا هنا:

الحديث، بصيغه المختلفة، ترويه زوجتان من زوجات النبي:

عائشة، التي تقول إنها كانت شاهد عيان على القصة (أي في منزلها)

وأم سلمة، التي تقول إن القصة حدثت في منزلها.

أين وقعت الحكاية، في منزل من منكما؟

لا جواب.

إضافة ابن حنبل أكثر إثارة:

قالت أم سلمة: فرفعت الكساء لأدخل معهم فجذبه من يدي وقال إنك على خير. وفي رواية أخرى: أنت لا، أنت على خير.

أي:

أنت جيدة ولكن التطهير مسألة أخرى.

لاحظوا ما جرى:

النبي يقول لربه اللهم طهّر ابن عمّي، وليس نسائي.

رواية عائشة تقول إنها وقفت تتفرج على مشهد التطهير ذاك، وأن النبي أرسل إلى علي وابنيه وانتظر حتى اجتمعوا ثم شد اللحاف عليهم جميعا وابتهل.

من هي أم سلمة التي جذب منها النبي الكساء واستبعدها؟

كما قلت سابقاً: إذا رأيتم آل البيت يتشبثون بحكاية تخرج آخرين من الفضل أو الفضيلة فابحثوا عن سيرة الشخص المستبعد، ستجدونه يمثل تحدياً أخلاقياً لادعاءات آل البيت.

أم مسلمة قبل أن تكون زوجة النبي كانت قد حققت اختراقين مهمين في التاريخ، بالنسبة لامرأة عربية في ذلك الزمن:

الأول: هاجرت إلى الحبشة مع أول جماعة مؤمنة (١٢ رجلاً وأربع نسوة).

في الهجرة الأولى لم يكن هناك أيّ فرد من بني هاشم.

الثاني:

بعد هجرة النبي إلى المدينة، أخذت ولدها وهاجرت وحيدة في الصحاري والمتاهات إلى أن وجدت رفقة في الطريق. تخيّلوا المشهد داخل ذلك الزمن.

شيء آخر بخصوص أم سلمة: كانت من السيدات اللاتي حرضن على ملاحقة المتمردين إلى البصرة بُعيد مقتل عثمان، وأعدت عدتها للخروج مع "جيش الدولة" الذي تقوده عائشة، لولا أن الأخيرة أمرتها بالبقاء.

لا بد من نسف هذا السجل لصالح العائلة، وهكذا فقد نزع منها النبي كساءه وغطى عليّاً.

أيعقل أن يقول رجل اللهم طهر ابن عمّي، بس مرتي لا؟

مرة أخرى:

نساء النبي يشاهدن مشهد التطهير، كل واحدة تزعم أنه حدث في منزلها، ويذهبن ليروين بمنتهى السعادة والرضا قصة تلك الحفلة التي منعن من حضورها!

أما أصل قصة التطهير فنجدها في سورة الأحزاب،آية٣٢/ ٣٣، ضمن خطاب تعليمي مباشر يقدمه القرآن إلى زوجات النبي لحساسية موقعهن داخل المجتمع:

(يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن، فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض، وقلنَ قولاً معروفا.

وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى، وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله،

إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا.

واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفاً خبيرا ً).

تحاول حكاية الكساء أن تضع عليّاً في مكان زوجات النبي، بعد أن وضعوه مكان الشمس والقمر وجبريل وميكال. وكلما وجد فضيلة لبشر غير هاشمي نزعوه من مكانه ووضعوا عليّاً وربعه.

وفيما يخص التطهير، تحديدا في هذه المسألة، فقد وضعوا الكلمات على شفتي عائشة وجعلوها هي التي ترى وتروي. ومرت الحكاية على عشرات المحدثين.

باختصار:

يبتهل النبي لربه قائلاً: اللهم طهر ابن عمّي ولا تطهّر نسائي.

حكاية الكساء خرافة، والخرافة قد تخدع بعض الناس لبعض الوقت، ولكن ليس كل الناس وليس كل الوقت.

* صفحة الكاتب

اقرأ أيضاً على نشوان نيوز: كذبة تاريخية كبرى اسمها الإمام زيد بن علي!

زر الذهاب إلى الأعلى